عند الساعة الخامسة تقريبا استيقظ الجميع على أصوات طلقات نارية. هب الجميع
فزعين: الملك والوصي والاميرات والخدم. وخرج أفراد الحرس الملكي الى حدائق
القصر يستقصون مصدر النيران. وازداد رشق الرصاص والاطلاق نحو جهة القصر.
ولم يهتد الحرس الى مصدر النيران في البداية. وخرج الملك فيصل من جناحه وقد
ارتدى ملابسه، وخاطب الحراس من أعلى الشرفة مستفسرا عما حصل.. ومن شرفة
قريبة طلب عبدالاله من حراس آخرين بأن يذهبوا الى خارج القصر ليروا ماذا
حصل. وعاد الحراس ليخبروا الملك الواقف على الشرفة مع أفراد الاسرة بانهم
شاهدوا عددا من الجنود يطوقون القصر. فسأل الملك:
ـ ماذا يريدون؟؟
ـ يقولون عندنا اوامر بتطويق القصر والمرابطة أمامه.
تلقى الملك وأسرته هذا الامر باحتمال كونه اجراء أمنيا لحراسة القصر. لكن
تطور الوضع لم يترك فرصة لهذا الاحتمال. اذ سرعان ما انهال الرصاص ورشق
الرشاشات على القصر. وتراجع الجميع الى الداخل ليتبادلوا الرأي حول ما حدث.
وقال عبدالاله انه يعتقد أن هذه حركة من الجيش ضد الاسرة. وساد الوجوم
والارتباك وسط ازدياد اطلاق النار.
بعد ذلك دخل آمر الحرس الملكي مستأذنا مقابلة الملك، ليخبره بعد مثوله
أمامه بان الجيش قام بثورة، وأن الضباط القائمين بها اعلنوا الجمهورية
وأنهم يطلبون من العائلة الملكية تسليم نفسها. وأردف قائلا:ـ
ـ نحن بانتظار أمركم لمقاتلتهم وسحقهم.
وهنا رد الملك:
ـ لا داعي للقتال ولا نريد سحق أحد.
ثم استدعى مرافق الامير وطلب منه الذهاب للقوات التي تحاصر القصر قائلا:
ـ اذهب للجماعة وقل لهم اننا مستعدون للتفاوض ولا داعي للقتال ولا نريد
مقاومة، ونحن مستعدون لمغادرة البلاد اذا كانوا يريدون ذلك.
وذهب المرافق ومعه ضابط برسالة الملك. لكنه لم يعد، وقيل ان الثوار قتلوه
واعتقلوا الضابط الذي معه. وقيل ايضا ان عبدالاله اتصل تلفونيا بعبدالسلام
عارف لكن الاخير رفض الحديث معه.
كانت الساعة قد تجاوزت السادسة والنصف صباحا حين ذهب الملك لتهدئة الاميرات
الباكيات. وسمعت الاميرة عابدية وهي تقول باكية:
ـ ما نريد منهم شي سوى سلامة الملك.. مسكين.. ما شاف شي بعمره. بعده شاب ما
شاف من الدنيا شي.. يريد يتزوج حاله حال الناس.. مانريد منهم شي بس يتركون
هذا الولد يروح. وهي تشير الى الملك.
وهم في الصالون كان راديو بغداد يذيع اسماء أعضاء الحكومة الجمهورية فورد
اسم ناجي طالب. انتبه الملك حين سمع اسم ناجي طالب. فصاح بألم مخاطبا
عبدالاله:
ـ حتى ناجي طالب؟ يابا حتى ناجي طالب!!
كان ناجي طالب مرافقا للملك فترة طويلة ويظهر ولاء حميما له. وهذا ما أثار
دهشة الملك الشاب.